الحمل هو عملية معقدة وحساسة، يخضع جسم الأم فيها لتغيّرات في الهرمونات والمناعة والتمثيل الغذائي، لدعم نمو الجنين بسلامة وصحة جيدة.

وبشكل عام، تعيش الميكروبات في جسم الإنسان بشكل أساسي في الأمعاء، وعادة ما تكون ميكروبات أو بكتيريا المعدة البشرية معقدة، فهي تتألف من أكثر من 500 إلى 1500 نوع من البكتيريا والفطريات والفيروسات المختلفة والمتنوعة.

وقد أظهرت الدراسات أن هذه الميكروبات لا تشارك فقط في هضم وامتصاص الطعام، ولكنها أيضاً لا غنى عنها في تنظيم صحة الجسم.

ولكن على مدى السنوات الأخيرة، كانت هناك أدلة متزايدة على أهمية بكتيريا المعدة أثناء الحمل على صحة وسلامة النساء الحوامل والأجنة على حدٍّ سواء.

فخلال فترة الحمل، تحدث تغيّرات كبيرة في بكتيريا الأمعاء، كما ترتبط العديد من المضاعفات أثناء الحمل بميكروبات الأمعاء، على رأسها مثلاً احتمالية الإصابة بسكري الحمل والسمنة وتسمم الحمل واضطرابات الجهاز الهضمي وأمراض المناعة الذاتية.

علاوة على ذلك، ترتبط بكتيريا الأمعاء الموجودة في حليب الأم والمهبل ارتباطاً وثيقاً بنوعيات الميكروبات والبكتيريا الصحية، التي تنتقل للطفل فور ولادته وتؤثر على حياته.

دور بكتيريا المعدة عند المرأة الحامل

تؤثر البكتيريا الموجودة في القناة الهضمية على إنتاج الأجسام المضادة، التي تُفرز هي نفسها المستقلبات التي تُسهم في عملية التمثيل الغذائي. وفي حالة المرأة الحامل، قد تؤثر هذه المركبات على النمو المناعي لجنينها.

الأمر يشبه الأيدي التي تشد الخيوط في عرض الدمى المتحركة، إذ تؤثر الميكروبات وبكتيريا المعدة على التشغيل اليومي لجميع أنظمتنا البيولوجية تقريباً.

على سبيل المثال، تعتبر التفاعلات بين الميكروبات المضيفة خلال السنوات الثلاث الأولى من حياة الطفل مهمة بشكل خاص لتطوير الجهاز المناعي للجسم، ويمكن أن يكون للاضطرابات التي تصيب ميكروبات الأمعاء، خلال هذه الفترة الحرجة في الحياة المبكرة، تأثيرات ضارة طويلة الأمد على صحة الإنسان.

ورغم أنه كان يُعتقد لوقت طويل أن ميكروبيوم الجسم يبدأ عند الطفل عند احتكاكه بأمه بعد الولادة، اتضح أن الأمر يبدأ قبل ذلك بكثير، بينما لا يزال الجنين في طور النمو داخل رحم المرأة الحامل.

دراسات لبحث مدى تأثير بكتيريا معدة الأم على جنينها

وجدت الأبحاث العلمية المتخصصة أن الأجسام المضادة للأم تعبر من خلال المشيمة لحماية الجنين من العدوى، وبالتالي فإن تلك الأجسام المضادة يمكنها أيضاً تحديد كفاءة الجهاز المناعي للطفل.

إضافة لذلك، يبدو أن كلاً من الجزيئات التي تنتجها البكتيريا، والأجسام المضادة المشتقة من الأم، تقود التطور المناعي في الرحم لجنينها حتى قبل اكتمال نموه وولادته.

ويلفت موقع Frontiers للأبحاث العلمية والدراسات الطبية، إلى أنه حتى الآن يبدو من الممكن بشكل متزايد أن الميكروبيومات والبكتيريا الخاصة بالأمهات تشكّل إلى حد ما صحة أطفالها قبل أن يولدوا.

أثناء الولادة يتعرض الأطفال لميكروبات الأم بشكل مباشر، فيتم استعمار الأطفال الذين يولدون عن طريق المهبل من قبل الميكروبات المهبلية والبرازية، في حين أن الأطفال الذين يولدون بعملية قيصرية يتم نقل البكتيريا لهم في الغالب، بواسطة ميكروبات وبكتيريا جلد الأم، وأحياناً الميكروبات المكتسبة من المستشفى أثناء عملية التوليد.

وتتجلى أهمية هذا النقل الجرثومي في المعدلات المرتفعة لاضطرابات المناعة والأيض والنمو العصبي بين الأطفال الذين يولدون بعملية قيصرية.

أما بعد الولادة، فيستغرق نمو وتنويع الميكروبات لدى الطفل بشكل كامل عدة سنوات. تُعد تلك العملية ديناميكية، وتتأثر بشدة بالعوامل الخارجية، بما في ذلك النظافة واستخدام المضادات الحيوية والنظام الغذائي.

فبحسب مجلة The Scientist العلمية، ارتبط تعريض الأطفال الصغار للمضادات الحيوية خلال هذه الفترة الحرجة بزيادة القابلية للإصابة بالعديد من الأمراض، ويرجع ذلك على الأرجح إلى التأثيرات غير المباشرة لهذه الأدوية على نمو المناعة.

واتضح أنها تؤثر على احتمالية إصابة الأطفال لاحقاً في حياتهم بأمراض وحالات صحية مثل السكري والربو والسمنة والتهاب القولون، بالإضافة إلى تطور السلوكيات الشبيهة بالتوحد.

تأثير على الصحة النفسية للطفل يمتد خلال حياته

بالإضافة إلى التأثير على نمو الأطفال حديثي الولادة، تشير الدلائل إلى أن ميكروبيوم أمعاء الأم يؤثر أيضاً على النمو النفسي للرضع. في دراسة منشورة عام 2016 بمجلة The Lancet للأبحاث، يتضح أن اتباع نظام غذائي غني بالدهون أدى إلى حدوث تحول في بكتيريا الأمعاء في نماذج في المعمل، ما أدى إلى خفض مستويات الأوكسيتوسين بمخ الأجنة أثناء الحمل، وهو الاضطراب الكيميائي الذي يؤثر على سلوكهم الاجتماعي بعد النضج.

لذلك من الضروري اتباع نظام غذائي صحي أثناء فترة الحمل وقبل الولادة، بما في ذلك تناول كميات كبيرة من الأسماك، والمكسرات، والبيض، والخضراوات الخضراء، والحبوب الكاملة، وتقليل تناول الخبز الأبيض، والسكريات، والحليب كامل الدسم، واللحوم المصنعة، لارتباط مثل تلك العناصر الغذائية بشكل غير مباشر بانخفاض السلوك والتطور النفسي للأطفال.

كذلك لا يؤثر الميكروبيوم الأمومي على مختلف نتائج حديثي الولادة ونموهم فحسب، بل ينتقل مباشرة إلى أمعاء الرضع للتأثير على صحتهم داخلياً خلال حياتهم.

وختاماً، تُعد الجراثيم البشرية نظاماً بيئياً معقداً للغاية، يتأثر بمجموعة متنوعة من العوامل الشخصية والبيئية. ومن المؤكد أن ميكروبيوم الأم يؤثر على الحمل ونمو الجنين وصحة الرضيع في طفولته وخلال حياته أيضاً.